التأتأة (Stuttering)

ماهي التأتأة :
تُعد التأتأة (Stuttering)، أو ما يُعرف بالتلعثم، اضطراباً في طلاقة الكلام، يتميز بتكرار الأصوات أو المقاطع، أو إطالة الكلمات، أو التوقف اللاإرادي (الحصار) أثناء محاولة التعبير. لا تمثل التأتأة مجرد صعوبة في النطق، بل هي تجسيد لـ "جهد مُضاعف للتعبير" عن الأفكار والرسائل الكامنة، وهو ما يفرض على المجتمع المحيط ضرورة تطبيق المبدأ الإنساني الأساسي: "امنحهم الوقت الذي يستحقونه."

 الإطار المعرفي والنفسي للتأتأة
تُصنف التأتأة، التي تبدأ عادةً في مرحلة الطفولة المبكرة (بين 2 إلى 6 سنوات)، كاضطراب عصبي تطوري، وقد أشار تقرير صادر عن وزارة الصحة إلى أن ما يقارب 66% من حالات التأتأة قد تكون متوارثة. يتجاوز تأثير هذا الاضطراب حدود الكلام ليلامس الجوانب النفسية والاجتماعية للفرد:
* العبء المعرفي: يواجه الشخص المتأتئ صراعًا ذهنيًا مستمرًا بين النية بالتعبير والقدرة على إنتاج الكلام بطلاقة. هذا الصراع يستهلك تركيزًا وجهدًا معرفيًا يفوق بكثير ما يستهلكه المتحدث العادي.
* الآثار النفسية: بحسب المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية، ترتبط التأتأة بمشاعر القلق والخوف، التي قد تدفع الفرد إلى تجنب التفاعل الاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على تقديره لذاته وجودة حياته.

 مسؤولية المجتمع:
تؤكد الإرشادات الصحية الرسمية على أن كيفية تفاعل المستمع مع الشخص المتأتئ تؤثر مباشرة على مستوى الطلاقة لديه. لذا، فإن الدعم الاجتماعي الفعّال يرتكز على منح المتحدث الـوقت الـمُستحَق بوعي كامل:
1. الصبر الفعّال (لا للمقاطعة): تنصح إرشادات وزارة الصحة صراحةً بـ تجنب مقاطعة المتحدث أو محاولة إكمال كلماته أو جُمله نيابةً عنه. الانتظار يعزز شعور المتحدث بالاحترام ويقلل من الضغط العصبي.
2. التواصل الهادئ: يجب المحافظة على التواصل البصري الهادئ والارتياح أثناء الاستماع، والتحدث بسرعة طبيعية وغير مسرعة عند مخاطبتهم، حيث أن التحدث بسرعة قد يؤدي إلى تزايد التلعثم.
3. التركيز على الرسالة: يجب أن يكون الرد والاستجابة موجهًا إلى محتوى الرسالة نفسها، مع إعطاء المتحدث "الوقت الكافي للتعامل مع توقّف الكلمات"، كما ورد في إرشادات الدعم المؤسسي.

 التدخل العلاجي والمسار الصحيح
رغم أن التأتأة ليس لها أدوية، إلا أن التدخل المبكر والبرامج العلاجية المتخصصة ضرورية لتقليل الأعراض وآثارها.
* التدخل المبكر: تؤكد وزارة الصحة على أهمية التدخل العلاجي، خاصة إذا استمرت التأتأة لأكثر من ستة أشهر أو بعد تجاوز الطفل عمر الخمس سنوات.
* دور الأخصائيين: يُعد أخصائي النطق واللغة (Speech-Language Pathologist) هو الجهة المتخصصة المعتمدة، الذي يقدم تقنيات النطق والعلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy) لتقليل القلق المصاحب للكلام. ويجب أن يكون هؤلاء الأخصائيون حاصلين على شهادة تصنيف من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
إن تبني ثقافة الصبر والتفهم، وإدراك أن الكلام بالنسبة للمتأتئ هو جهدٌ مضاعف يُبذل في سبيل التواصل، هو مفتاح لدمجهم وتمكينهم، وضمان حقهم الكامل في التعبير عن أنفسهم في مجتمع شامل وداعم.



المراجع والمصادر
1. وزارة الصحة (المملكة العربية السعودية): صحة الطفل - التأتأة. https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/BabyHealth/Pages/Stuttering.aspx 
2. صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف): الخدمات التيسيرية المقدمة للأشخاص ذوي اضطراب النطق والكلام (منصة توافق). https://www.hrdf.org.sa/media/Tawafuq/Content/documents/Disability-Confidence/170516_Speech_Language_V1.00_AR_Final.pdf 
3. المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية: كيف ندعم من يعاني من التأتأة؟ https://ncmh.org.sa/articals/251 
4. صحيفة اليوم (نقلًا عن تصريحات وزارة الصحة): الصحة: 66% من حالات التأتأة متوارثة والعلاج المبكر هو الحل. https://www.alyaum.com/articles/6622968/الحياة/صحة-وتغذية/عاجل-الصحة-66-من-حالات-التأتأة-متوارثة-والعلاج-المبكر-هو-الحل 
5. الخدمات الصحية بوزارة الدفاع: اخصائي تخاطب (Speech Therapist) (للإشارة إلى ضرورة التصنيف من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية). https://talents.msd.med.sa/ar/saudi-arabia/jobs/%D8%A7%D8%AE%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%A8-speech-therapist-1100044549/
التأتأة (Stuttering)